Sunday, 26 March 2017

إذا قال شخص: "كل مسلم من الفرقة الناجية"

إذا قال شخص: "كل مسلم من الفرقة الناجية"



أولاً وباختصار، مصطلح "الفرقة الناجية" أقره العلماء وهو مفهوم من حديث النبي ﷺ: ((أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ )) ووردت مصطلحات أخرى مثل "السواد الأعظم"، كما في حديث أبي أمامة...فلا ينبغي لمسلم عرف الحق أن يستهزئ أو يستهين بهذه الكلمة العظيمة، لا سيما من عُرِف بالدين والدعوة. بل الذي عهدناه من الصالحين أنهم يعظمون هذه المصطلحات الشرعية والتي تدل على ما أوصى به النبي ﷺ "ما أنا عليه (أي النبي ﷺ) وأصحابي"...ويَحْذرون مِن أن يخالفوا ذلك.

ثم أن من ادعى أن "كل مسلم من الفرقة الناجية" عليه أولاً أن يرجع لحديث النبي ﷺ  حين قال (تفترق أمتي..) فهنا بيان واضح ممن لا ينطق عن الهوى، أن الأمة ستفترق لا محالة، وثم فرّق النبي ﷺ بينهم، فقال –بما معناه- كل الفرق في النار إلا واحدة. وقوله ﷺ أنها في النار اتفق أهل العلم أن هذه الفِرق ليست مخلدة، خارجة عن ملة الإسلام....لا، لأن النبي ﷺ قال: "أمتي" فتبقى فِرقاً إسلامية، ولكن تدخل النار بحسب ما عليها من انحراف. أيضاً يجب التنبه، بأن الخلاف بين هذه الفِرق سيكون خلافاً عقدياً وليس القصد في أمور فرعية قد يسوغ فيها الخلاف، فلا يدخل في ذلك اختلاف المذاهب الفقهية.

وعلينا أن نتذكر دائماً أن الجنة والنار ليست بيد أحد من الخلق، نُدخِل ونُخرج من نشاء في الجنة أو النار، ولكن الموقف المعتدل هو أن نثبت ما أثبته الشرع في شروط دخول الجنة ولا نزيد على ذلك.

والقول "كل مسلم من الفرقة الناجية" فيه إشكال...هل نفهم من القائل؛ أنه ينكر التَفرّق الذي أخبر به النبي ﷺ والحديث واضح جليّ؟! بل هل ينكر ما حصل ويحصل اليوم من اختلاف ونزاع في الأمة الإسلامية؟! فإن قال، لا أنكر الاختلاف الحاصل، لكن الكل على حق!! فأسأل متعجباً: لماذا إذاً تُحارب كل من خالفك وتتهمهم بالضلال وتدعي أن الحق معك، فيلزم من كلامك أن جماعة الإخوان وداعش والقاعدة والنُصيرية..الخ يدخلون في مسمى الفرقة الناجية ؟! فلا أعلم كيف نجمع بين هذا وذاك..! بل لا يقول هذا من عرَف الإسلام لا سيما من دعا إليه، إذ أن معتقدات هذه الفرق كلها مضادة لغيرها، فكيف يكون الحق مع مُعْتقَدينِ نَقيضين؟!

أو أنه -أصلاً- لا يعتبر المخالفين مسلمين!! فأخرج كل مخالف من ملة الإسلام بهذه العبارة..! وهذا -في رأيي- بعيد...

وهنا أحب أن أنبّه إلى قضية مهمة جداً في  مصطلح الفرقة الناجية؛ أننا نؤمن بالاختلاف الموجود بين المسلمين كما هو واضح ولكن لا يعني ذلك أننا نستبيح دم أحد ولا  نعادي أحداً في المجتمع سواء بفعل أو قول، ولا ندعو لطائفيةٍ وتفريق في مجتمعٍ واحد، فلو كان هذا هو الحق، لما انتشر الإسلام! بل علّمنا دينُنا الحنيف أن نحاول معالجة الخلاف بيننا بِبَيّنة وعلم وأدب وأن نتقارب بدون مفسدة.

 وإن لم نتفق؟ فيلزمنا التعايش حتى ولو اختلفنا ونلتزم بما أمره بنا ولي أمرنا والله يحكم بيننا يوم القيامة.

فأرجو ممن يرى أن عبارة "كل مسلم من الفرقة الناجية" أن يتق الله وأن لا يداهن في دينه ويتذكر قول الإمام مالك: "مهما تلاعبت بشيء، فلا تلعب بدينك"، فرُب كلمة يقولها العبد لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً، كما قال النبي ﷺ.
كتبه / فارس الحمادي