مَـنْ
يَـخْـلـفُـهـمْ ؟!
الحمد
لله حمداً كثيراً إذ جعل لهذا الدين رجالاً وجعل علمَهم سراجاً منيراً وأصلي وأسلم
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
أما
بعد
:
فقد
خسرت الأمةُ منذ أيام جبلاً من جبالِ السنّة وعَلماً من أعلامِها، وقدْ عبّرَ طلبةُ
العِلمِ ومنْ لهُ درايةٌ عن مكانةِ الشيخِ عن أسَفِهِم الشديد على فُقدان المغفور له –إن شاء الله- .
أخبَر
الرسول ﷺ عن حال أمّته في آخر الزمان، وكيف يُنزع العِلم
من الأمة؛ قال ﷺ : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا
يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى
إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا
بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا )).
و كان
السلف يقولون: لموتُ عالِم أحبّ إلى إبليس مِن موتِ سَبعينَ عابداً! وهذا مافهمه السلف
–رضوان الله عليهم- من حديث نبينا ﷺ؛ لأنه إذا ذهبَ العالِمُ ذهب العلمُ و
ذهب التوجيه في الدين و قال ﷺ : ((البركة مع أكابركم)) نعم، البركة معهم...بركة
العلم و بركة الدعوة إلى الله وبركة النبوة إذ هم ورثة الأنبياء !
وماذا
بعد؟! ذهب عالمٌ وسيذهبُ آخرون من بعده...فهؤلاء قد هرِموا واشتعلت لحاهم شيباً...فمن
سيخلفهم؟!
نسأل الله العافية...فتحنا تويتر ورأينا بعض حسابات "المشايخ"...السلفيّون...طلاب
العِلم ... الورثة ؛ ممن عندهم شعبية بين العامة !
فرأينا
العَجَب! طالبُ علِم يتَكلم في دُولٍ مجاوِرة والسياسات الأمنية والعلاقات الدولية...و
وآخر أكثَرُ جُهْده في المُناظرات مَعَ عوام مِن الفرق الضالة...وآخر يعيش في الخمسينيات،
يتكلم عن سيد قطب وحسن البنا...وآخر انخرط مع السلاطين فأصبح يهرفُ بِما لا يعرف...و
آخر مختص في "قصف الجباه"...أسألكم، هل هذه تخصصات مقررة من جامعات الشريعة
أم تعلم في حِلَق العلماء ؟!
هل هذه
بذرة ستخرّج علماء يحملون الدين على عاتِقهِم ؟! هلّا نظرتُم إلى تراجم العلماء –رحمكم
ورحمهم الله-
!
النجوم
الثلاث : ابن باز و الألباني و العثيمين لم نَعهدهُم أهل سياسةٍ و لا أهلَ مُناظرات
...! بل انشغلوا بالعلم حتى إن الحكومة السعودية طلبوا من ابن عثيمين أن يكون قاضياً
-وهو من هو- ؛ فرفض! بل وطَلبوا مِنه أن ينضمّ إلى هيئةِ كبار العلماء للإفتاء؛ فرفض!!
ولا نقول أن من هو في هيئة كبار العلماء فَهو مُخطئ ؛ حاشا لله! ولكِن هدف ابن عثيمين
كان نشر العلم وتصحيح المفاهيم بتأليف الشروحات ونشر التسجيلات ..!
ونحن
اليوم نعاني من طبقةٍ من طُلابِ العلِم أخذوا صكوك التزكيات من المشايخ ودخلوا ميدان
التحديّات! في التحليل والمناظرات وقصف الجباه...ليس هذا فقط؛ بَل رأينا منهم من يمدحُ
اللصوص و الليبرالية أعداء الدين وينادون : "المصلحة! المصلحة!"
والأدهى
من هذا أن بعضهم سلّ سيفَهُ و رفع رايتَهُ و انطلقَ نَحو إخوانِه طلبة العِلم يضرب
أعناقهم بتقعيدات لم نسمع بها من قبل!! فجرّحَ وطعن وحذّر! وأخذوا يحاربون بعضَهم بعضا
أمامَ الأعداء وأمام من يرونهم قدوة في الاستقامة...! فصار الناس يشْمَتونَ ويَضحَكون!
لم يكن
علماؤنا بهذه السذاجة وهذه العجلة في نشر الردود وتجريح الناس؛ لا سيما من عرف بالمنهج
الصحيح! فهذا أحدُ عُلماءِ زمانُنا، كان يناصح مبتدعاً عشرين سنة –سراً- قبلَ أن ينشرالرد
على الملأ! وقارنوا -رعالكم الله- بينَ ردود العلماء الراسخين في العلم وردود بعض طلبة
العِلم...العالِم الرباني المُخلِص يدرس الحالة دراسة مفصلة دقيقة قبل أن يقول على
شخص أنه أخطأ لأنه إذا لم ينصف فقد يكون الضرر جسيماً! فليس الأمر بهذه السهولة! أما
اليوم ففي مكالمة واحدة يُقذف شخص من حلقة الحق إلى حلقة الضلال...فقط لأنه جلسَ مع
مبتدعٍ في جلسة لا نعرف ما هي طبيعتها وقد تحتمل كثيراً من التأويلات! و مَشوا على
قاعدة..."من خفيت علينا بدعته لم تخف علينا أُلفته" !! ما هكذا تورد الإبل
يا سعد
!
وبهذا
حقّ علينا أن نسأل...هل هؤلاء هم خُلفاء العلماء؟! حال الأمة لا يتقَدّم...بل يزيدُ
الظّلامُ ويكثرُ الشرّ حتى تقومَ السّاعة؛ فالنوازل كثرتْ والفتنُ انتشرتْ وأصبحَ الناسُ
لا يعْرفونَ الأبيضَ من الأسود...فإن كان هذا حال خلفاءَ العِلم...فأخشى أن يكونوا
"رؤوساً جهَّالاً" كما أخبر رسول الله ﷺ.
فالواجب
على طلبة العلم اليوم الهربَ كلّ الهرب من الخَوض في النوازل ، والسياسة ، والجدال.
وعليهم بالرسوخ في العِلم ! وأما إنكار المنكر فيكون بعلم ودليل وبيّنة وقبل كلّ هذا
يكون بـإخْــلاص! ولا يكون بسخرية وزخرفة كلام ! ليس هذا من شيَم أهل الحق...!
قال
ﷺ :
((مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ))... و تذكروا قول العالم
الرباني الذي كان يَخشى على نفسه الفتنة و يخشى ذلك على الأمة...سئلَ عن سورية و ما
يحدث... قال كلمة و لم يزد؛ قال : فِـتْـنَـة ! أي لا يُعرف فيها الحق من الباطل ...
و انتبهوا
–رعاكم الله- فأول السَواد عودٌ منْ حصير ثم يطمس الضلال نور الحقّ في قلبِكْ ؛ قال
رسول الله ﷺ : ((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَعَرْضِ
الْحَصِيرِ عُودًا عُودًا. فَأَىُّ قَلْبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَتْ فِيه نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ،
وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حَتَّى تَعُودَ الْقُلُوبُ
عَلَى قَلْبَيْنِ: قَلْبٍ أَسْوَد مُرْبَادًا كالكُوزِ مُجَخِّيًا. لا يَعْرِفُ مَعْروفاً
وَلا يُنْكِرُ مُنْكَراً، إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ، وَقَلْبٍ أَبْيَض لا تَضُرُّهُ
فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّماواتُ وَالأرْضُ))
وللكلام
تتمة...
أسأل
الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يُصلحَ أحوالَ المسلمين و يجمعنا على الهدى و يجنبنا
الفتن ما ظهر منها و ما بطن ..
والحمد
لله ربّ العلمين
...