Thursday, 27 March 2014

كلمة عن الرسوخ في العلم..

كلمة عن الرسوخ في العلم..
لأبي الفضل الأندلسي

بسم الله الرحمن الرحيم الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده
أمّا بعد :

فإن العامّة تقول : "قيمة كل امرئٍ ما يُحسنه" ، لكن الخاصّة  تقول :  "قيمة كل امرئ ما يطلبه..”.
و من رَامَ الرّسوخَ في العلم والإمامةَ في الدّين استنزف حياتَه  ومُهجَتَه و أمضى حُقُبَ عمره ليبلغَ ما بلغَه الأوّلون من إحقاقِ الحقِّ و إعلائِه و بَثِّه و الصَّدعَ به .
أيُّها المُحبّ:
 اسمع منّي سماعَ من يريدُ أن يتواصَّ معك و يَشدُّ على يدَيْك لتبلغَ هذه المنزلةَ، فلستُ بأفضلَ منك و لا أعلمَ ، و لكنّ اللهَ أوصاني و أوصاك فقال :( و تَوَاصَوْا بالحَقّ و تَوَاصَوْا بالصَّبْرِ )
الإخلاصُ في كلِّ شيءٍ هو جوهرُه و بيتُ القصيدِ فيه وسرُّ العبوديّة لله ، فمن أخلصَ بورك في قليله وبلغ القمّةَ و إن كان يمشي رويدا ، و يسبقُ الفارغين و مَن خَلَتْ قلوبهم منه فتنزَّلُ عليه بركاتُ التّوفيقٍ و يُسخِّرُ اللهُ لهُ الزّمنَ ، و يَطْهُرُ قلبُه فما من فائدةٍ إلّا وترسَخُ في فؤاده. 


ثمّ ليَعتزِلِ النّاسَ و لْيحافظْ على قلبه أن يتلوّث بدَخَنِ النّاس ، فالعلمُ ثقيلٌ كثيرٌ فضُنَّ بوقتك أن تهدِرَهُ مع من لا يعودُ لقاؤك به بفائدةٍ ، فالهَميمُ بخيلٌ بوقته ..
قَلّبِ النّظرَ في سير العلمِ لا تجدُ منهم من بلغ الرّسوخَ إلاّ وله من الرّحلاتِ في طلب العلم ما يجعلُه غريبا في كلِّ بلدٍ يلتمسُ علمًا ، ليس له مع عامّة الناس شأنٌ ، و لكنْ شأنُه كلُّه أن يلاقي عالما  ينهلُ من معينِه أو يعلوَ بسنده...
ليس له من وقته إلّا ما كان للعلم و مع العلم ، و من أجل ذلك  لُعِنَتِ الدّنيا , ففي الحديث : "الدّنيا ملعونةٌ ملعونٌ من فيها إلّا ذكرُ الله و ما والاه أو عالم أو متعلم ، وقد سُئِلَ مالكٌ عن رجلٍ حُكمَ عليه بالقتل : ما يفعل حتى يَحين قتله ؟ قال: يطلب علما !!؟
و قد ارتحل كثيرٌ من السلف كجابرِ بنِ عبد الله و عبدِ الله بن أنيس رضي الله عنهما لأجل حديث واحد فقط...
و ليس المرادُ أن تكونَ الرّحلة حسّيّة فحسب ، فالدّنيا أصبحت على غير عهدها ولكنْ عزلةُ النّاس و الرحلةُ إلى أهل العلمِ قائمةٌ و سمِّها إن شئتَ عزلةَ و رحلةَ شعوريّةً ، تتّخذُ من بيتك صومعةً  تعتكفُ فيها مع أهل العلم و كتُبِهِم ومسموعاتهم ، سيرحلون بك إلى زمنٍ إنْ أشعرَك اللهُ بلذّتِه رجعتَ على قومك و زمنِك بالمَلَلِ والسَّآمة فلا تجدُ في نفسِك حينها حبًّا ولا ميلًا لشيءٍ إلا لّهُمْ[1] ..
فهذه التّضحيةُ تُضاف إلى شرائطِ الرّسوخ...
فَلْتَهُنْ عليك نفسُك في سبيل هذا المجدِ و حَطّمْ قيودَ الأرض ولا تخلدْ إليها  ولا تّركنْ إلى المُتقاعسينَ و لا إلى السّاكتين عنِ الحقِّ فيمسَّكَ الهوانُ و تَلحقَكَ الذّلةُ .
ثم عليك بالحفظِ يا طالبَ العلم ، فبَوْنٌ شاسعٌ بين من استودع قلبَه علمَهُ و بينَ رجلٍ مستودَعُه الكتبُ ، فالرّاسخُ في العلم يحملُ معهُ علمَهُ و يستحضِرُه ُ متى شاءَ  ويكونُ بذلك عزيزًا ، و تأمّلْ قصّة أبي حامد الغزَّالي حين اعتدى عليه مجموعةٌ من اللّصوص  وهَمُّوا أن يأخذوا كلّ متاعِه، فتوسّلَ إليهم أن يتركوا كتبَه ، فنظرَ إليه اللّصُ مُزدريًا..وقال: بئسَ طالبُ العلم أنت..!!  لو كنتَ عالمًا لحفظتَها..فتأثّر الغزالي وعرَف عزّةَ الحفظ فعزم أن يحفظَ ما يتعلّمُه.
و سوقُ الحقّ اليومَ كاسدةٌ يدخلها فئامٌ من النّاس منهم مَن عَلِمَ الحقّ و أضمَرَهُ ولم يُبدِه ، توجَّسَ من المخالفِ خيفةً ، وقَعَدَتْ به همّتُه عن إعلاء الحقّ ، فهذا في هوانٍ، و منهم من عَلِمَ الحقَّ وأدركَه و لكنْ أعجزَهُ عن نشرِه قلّةُ علمٍ أو ضَعْفُ أسلوبٍ و حجّةٍ تُفصِحُ عمّا في قلبه فعسى أن يُؤْجرَ .
 و أهْوَنُ القومِ و أخسُّهم مَنْ عرَفَ الحقَّ و أدركَهُ و لكنّه لم يّبُثَّهُ لأنّه خالفَ هَواهُ ،  فهذا من شرِّ الناَس فإذا أتْبَعَ موقَفَهُ هذا بمحاربةِ مَنْ نطقَ بالحقِّ ، فلا أُرَاهُ إلّا شيطانًا في مِسلاخ بشر!!

أيّها القارئُ الحبيبُ : إن أردت أن أصوّرَ لك بعضَ مظاهر الرّسوخ في العلم لِيتجلّى لك منه ما يشّجِعُك عليه أو تعرفَ مقامَك منه فتلزمَه ، فإليك من المثال ما يُقرّبُ المقال :
هذا محمّدُ بنُ عبد الوهّابِ إمامٌ مصلحٌ مُجددٌ ، جَدّدَ الملّةَ و بثّ روحَ التّوحيد في الأمّة ، عَمَدَ إلى أصل الإسلام وهو توحيدُ الألوهيّة ، فألّفَ فيه مؤلّفاً بسيطًا في مضمونه حوى آياتٍ و أحاديثَ و بعضَ الاستنباطاتِ ، ثم عَمدَ إلى الأسئلة التي لا ينجو منها بشرٌ قطّ في قبره ، فسمّاها الأصولَ الثّلاثةَ ، ثم عمدَ إلى دحضِ شُبَهِ أهل القبور ، و اختصرَ كتاباً في سيرة النّبي  -صلى الله عليه وآله و سلم- لتكونَ منهاجًا للمسلم ، و كلُّ مؤلّفاتِه بسيطةٌ و عظمتُها في بساطتها لأنّها توافق الفطرة التي فطر اللهُ عليها النّاس ، و لعلّه قد وُجِد في زمانه من هو أعلمُ منه ، و لكنّه كان أكثرَ رسوخاً منهم إذْ دعا إلى الحقّ و جاهدَ في سبيله و صبرَ على تبليغهِ ، فلا يستوي هُو ومَنْ عَلِمَهُ و لَزِمَ الصّمْتَ...
و كم مِنْ رَجلٍ بسيطٍ في العلم قد أُوتِيَ غيرةً و شجاعةً في الصّدع بالحقّ  ، فكان فيه من رسوخِ العلم بمقدار ذلك.. إذا تقرّرَّ عندك هذا عَلِمتَ –علّمك الله الخير - فقه حديث النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-  لمّا استعاذ من علم لا ينفع فسمّاه علمًا غير أنه لم ينفع ، إذ لم يُؤْتِ ثمارَه و لذا قال بعض العلماء :(  الأمرُ بالمعروف و النهي ُ عن المنكر زكاةُ العلم ) . و الزّكاةُ واجبةٌ !! فمن تكلّم بالحقّ حيثُ سكتَ  عنه الآخرون كان أعلمَ من السّاكت وأكثر رسوخًا منه ، فأنطَقُهم بالحقّ أرسّخُهُمْ علمًا.

ولعلّك أن تبذلَ علمًا بسيطا مع بركةِ إخلاصك فتزدهرَ آخرتُك : رأى أحدُهم الخليلَ بن أحمد َ الفراهيدي في المنام فسأله : ما فعلَ اللهُ بك ؟ قال: أدخلَني ربّي الجنّة . قال : بِمَ ؟ قال علّمْتُ عجوزا الفاتحة !! مع أنّ الخليل من عباقرة الدّنيا و يكفيه عظمةً تأسيسُه لعلم العروض و إنشاؤه أوّلَ معجمٍ للعرب : معجم العين...
وخذ هذا المظهرَ من الرّسوخ حين يبلغُ بصاحبه مبلغًا يجعلُه يصمُتُ أمام أساطين العلم  إذا حلَّتْ فتنةٌ بالمسلمين و اختلط الحقّ بالباطل ، وغشيَ الحقَّ ليلٌ حَجَبَهُ عن الظّهور المُبين , تجدُ العلماء الأكابرَ يصمُتُون و للنّاس يسْعَوْنَ واعِظِينَ مذكّرِين بالتّوبةِ و العَودَةِ إلى هديِ السّلفِ و منهجِ النّبوّةِ فيصمتُ من يرى نفسَه دون ذلك وصَمْتُهُ حينذاك رسوخٌ في العلم !! و إنزالٌ لنفسه منزلتَها ، ألا ترى أنّ العلماءَ قالوا :” مَن قال لا أدري فقد أفتى !؟ فمع أنّه قال العَدَمْ ! إلا أنّ ذلك عينُ الحكمة، و الله تعالى يقول : (و لا تَقْفُ ما ليسَ لك به علمٌ) 
قالوا هذا غيرُ جائزٍ عندنا ** و من أنتم حتى يكونَ لكم عندُ ..!!؟

حلّتْ بالمسلمين بعد وفاة النبي -صلى الله عليه و آله و سلم- فتنةٌ عظيمةٌ  وهي مقتلُ عثمانَ -رضي الله عنه- وتَبِعَتهَا موقِعَةُ صفّين  و الصّحابةُ حينها عشرةُ آلافِ صحابيٍّ ، فما شارك فيها إلا نحوُ مائةِ صحابيٍّ وقيلَ ثلاثين  !!! و الباقي اعتزلوها وصمَتوا ، و منهم مَنْ كان من أهل الشّورى كسعدِ بن أبي وقّاصٍ  ، فليس ذلك منهم عيٌّ وجبنٌ ، بلْ حكمةٌ و رسوخٌ ..دونَك فاعجبْ .
قال صاحبنُا و حبيبُنا : فارس الحمادي أبو العباس : "فالواجبُ على طلبة العلم اليومَ الهربُ كلَّ الهرب منَ الخَوض في النّوازل ، والسّياسة ، والجدال. وعليهم بالرّسوخ في العِلم ! وأمّا إنكارُ المنكر فيكونُ بعلمٍ ودليلٍ وبيّنةٍ ، وقبلَ كلِّ هذا يكونُ بـإخْــلاصٍ! ولا يكونُ بسخريةٍ وزخرفةِ كلامٍ ! ليس هذا من شيَمِ أهلِ الحقِّ...!
قال  : ((مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ))... و تذكّروا قول العالم الرّبّاني الذي كان يَخشى على نفسه الفتنة و يخشى ذلك على الأمة...سئلَ عن سورية و ما يحدث... قال كلمة و لم يزد ، قال :” فِـتْـنَـةٌ" ! أي لا يُعرَفُ فيها الحقُّ من الباطل ...إ.هـ

فإذا رأيتَ طالبَ العلم الغُمرَ يزاحمُ الكبارَ فيما لا يُحسِنُه ، و يتقدّمُ عليهم مُفاخِرًا بعلمه فانْبُذْهُ و لا تلتفتْ إليه ، و قُلْ لَهُ ما قالتْهُ العربُ من قبلُ بصيغة المؤنّث !! : مَكانَكِ تُحمَدي أو تستريحي .... و السّلامُ .

و كتب حامدًا لربِّه مُصليًّا على نبيّه..

أبو الفضل الأندَلسيّ


(تفضّل الشيخ الدكتور محمد هشام الطاهري (أبو صلاح)  بقراءة المقال فصحح لي الاخطاء و صوّبها لي ، فاستفدتُ وتعلّمت منه ، جزاه الله عني  كل خير)





[1]             - المقصود: تجد ميلا وحبا للعلماء من خلال اعتكافك على علمهم، وهجرك لقومك وزمنك...

Tuesday, 25 March 2014

فَـلاحُـكَ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين و على آله وصحبه أجمعين ،،
أما بعد .. 


فهذه خاطرة أحببت أن أذكر بها نفسي المقصرة و إياكم بها ؛ 


أقسمَ الله ﷻ في كتابه العزيز إحدى عشَرَ قَسماً في موضعٍ واحد فقط .. في سورة الشمس .. وبعدها قال الله ﷻ : قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا..

قال المفسرون أي زكّى نفسهُ ..
والتزكية : هي اصطلاحاً التطهير أو الزيادة أو المدح..


فيُقال : زكّيت الثوبَ أي طهّرتهُ ؛ زكاةُ المالِ أي تطهيرُ المال ؛ أو الزيادة .



فتزكية النفس -تطهيرها من الذنوب و الشوائب و ربطها بما هو أنفع و بُعدُها عنْ ما هو مُفجِع- شأنه عظيم وفيه فلاح المؤمن و صلاحه و نجاحه في دنياه و آخرته. 
و ما أعظم قيامَ الليلِ لتزكيةِ النفس المذْنبَة ، الضعيفة ، المُحبّة للدنيا و شهواتها ..


 نزلت سورة المزمل في أول الإسلام .. قال الله ﷻ : (( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ))
ثاني أمرٍ أمره الله ﷻ لنبيه في الإسلام هو قِيامُ الليل ! و يليه السبب ؛ قال ﷻ : (( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ))
و قد فرضَ الله ﷻ قيامَ الليل على نبينا ﷺ ...بل و حتى على الصحابة لعامٍ كامل ...!! ثم أنزل الله ﷻ آخر آية في سورة المزّمِل تَنسخُ فريضة قيامِ الليل .. قال الله ﷻ : (( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ... )) الآية

قيامُ الليل مدرسة ..

إنها المدرسة التي خرّجت العظماءَ ، والأصفياء ...! وقـُوَّام الليل أخلصُ الناسِ في أعمالهم لله تعالى ، وأبعدهـم عن الرياء ، والعجـْب ، وهـم أشـدّ الناس ورعـاً ، وأعظمهم حفظاً لألسنتهم ، وأكثرهم رعاية لحقوق الله ﷻ ، والعباد ، وأحرصهم على العمل الصالح. إنها عبادة تنضح بالتوحيد و الإخلاص و التطهير  ... إذ أنها في وقت الغفلة و الراحة .. يكون فيها العبدُ في تَعبٍ و نُعاس ولكنهُ يشدّ على إزار الهمّةِ و يقومُ حامداً لله رب العالمين ، عابداً مستعيناً بهِ ..! فيزيد المرءُ تَعلقاً بَربّه و ينْشغلُ عنِ الدنيا و ما فيها...فتصغرُ في نظرهِ . و إذا أقبل على دينه طالباً العِلم أو داعياً لدينه ... فيبارك الله له في طلبه أو دعوته...بل و يبارك الله له في حياته كلها... وهل يترك الله عبدهُ الذي أتاه مخلصاً مستعيناً في أثمنِ أوقاته  ؟!

قال السلف : لا يقوم الليل منافق..!


وآثارُ السلفِ الكِرام بحرٌ في قيام الليل ... أذكر بَعضها..

* قال عبد الله بن مسعود : ما دمتَ في صلاة فأنتَ تقرَعُ باب المَلك ، ومن يقرعُ باب الملكِ يفتح له !

* وكان ابن الزبير يسجدُ حتى تنزِلُ العصافيرُ على ظهرهِ لا تحسبهُ إلا جذمَ حائط !

* و قال ابن مسعود : فضلُ صلاةِ الليلِ على صلاة النهار كفضلِ صدقة السر على صدقة العلانية .

* و عن أبي عثمان النهدي قال : تضيّفت أبا هريرة سبعاً ، فكان هو و امرأته و خادمهُ يتعقبونَ الليل أثلاثاً .. يصلي هذا .. ثم يوقظ هذا .. ويصلي  هذا .. ثم يوقظ هذا (يتناوبون الليل !!)
و كان مسروق في الحج يقوم الليل ... فلا ينامُ إلا ساجداً على وجههِ ..!!

* وكان مرّة الهمدانيّ يصلي في اليوم ٦٠٠ ركعة !! وقال عنه الذهبي : ما كان هذا الوليّ يكاد يتفرغُ لنشرِ العِلم .. ولهذا لم تكثر روايته .. وهل يُراد من العِلم إلا ثمَرَته ؟! 

موضوع قيام الليل موضوعٌ عظيم وهو -حقيقة- مشروعُ حياة .. لا يسعُ في مقالٍ و لا رسالةٍ و لا محاضرة ... ولكن أحببت التذكير فقط.


هذا ما تيسرِ لي ... والحمد لله رب العالمين.

كتبه / فارس الحمادي
٢٣ /جمادي الأول / ١٤٣٥هـ
٢٤ / ٣ / ٢٠١٤مـ

حالُ بعضِ الأزواج


قال ابن الجوزي -رحمه الله-

حدثني بعض إخواني عن صديق له ، أنّه عَشقَ امرأةً كانت في نهاية الجمال والحسن ، و أنّه كان يخاطر بنفسه ليجتمع بها . 

قال : فقال لي يوماً : والله لو اجتمعتُ بها ثم قُدّمتُ فضُرِبت عنقي ما باليت ! 

ثمّ -شاء الله- أنه تزوجها . فمضى عليه قليل ثم طلـقـها . 

قال : فمررتُ يوماً أنا وهو في بعض الطريق بِحَمأة مُنتنة ، فقال لي : يا فلان ، والله إنّ فلانة (الذي تزوجها) اليوم أقبحُ عندي حالاً من هذه الحمأة ! 

قال ابن الجوزي : وبهذا يُفضّل بعض الرجال الأجنبية على زوجته ، وقد تكون الزوجة أحسن و أجمل . 
والسبب في ذلك أن عيوب الأجنبية لم تبِن له وقد تكشفها المخالطة ، ولهذا إذا خالط المحبوبة الجديـدة و كُشفتْ له المخالطة ما كان مستوراً ؛ ملّ و طلب أخرى إلى ما لا نهاية له . 
أ.هـ 

أقول : ولبّس على كثير من الرجال في هذا الأمر لقلة فقههم وكثرة شهوتهم ؛ والله المستعان.

Monday, 24 March 2014

المتابعة في ستة أمور ..

المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة


قال الشيخ العثيمين رحمة الله :

وليعلم أيها الأخوة أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة :

* 1 السبب :
فإذا تعبد الإنسان لله عبادة مقرونة بسبب ليس شرعيّاً فهي بدعة مردودة على صاحبها، مثال ذلك أن بعض الناس يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلّم فالتهجد عبادة ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة؛ لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعاً. وهذا الوصف ـ موافقة العبادة للشريعة في السبب ـ أمر مهم يتبين به ابتداع كثير مما يظن أنه من السنة وليس من السنة.

* 2 الجنس :
فلابد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة، مثال ذلك أن يضحي رجل بفرس، فلا يصح أضحية؛ لأنه خالف الشريعة في الجنس، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام، الإبل، البقر، الغنم.

* 3 القدر :
فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة فنقول: هذه بدعة غير مقبولة لأنها مخالفة للشرع في القدر، ومن باب أولى لو أن الإنسان صلى الظهر مثلاً خمساً فإن صلاته لا تصح بالاتفاق.

* 4 الكيفية :
فلو أن رجلاً توضأ فبدأ بغسل رجليه، ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم وجهه فنقول: وضوءه باطل؛ لأنه مخالف للشرع في الكيفية.

* 5 الزمان :
فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان. وسمعت أن بعض الناس في شهر رمضان يذبحون الغنم تقرباً لله تعالى بالذبح وهذا العمل بدعة على هذا الوجه لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية والهدي والعقيقة، أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الأجر على الذبح كالذبح في عيد الأضحى فبدعة. وأما الذبح لأجل اللحم فهذا جائز.

* 6 المكان :
فلو أن رجلاً اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه لا يصح؛ وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد ولو قالت امرأة أريد أن أعتكف في مصلى البيت. فلا يصح اعتكافها لمخالفة الشرع في المكان. ومن الأمثلة لو أن رجلاً أراد أن يطوف فوجد المطاف قد ضاق ووجد ما حوله قد ضاق فصار يطوف من وراء المسجد فلا يصح طوافه لأن مكان الطواف البيت قال الله تعالى لإبراهيم الخليل: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ}(الحج 26).
فالعبادة لا تكون عملاً صالحاً إلا إذا تحقق فيها شرطان:
الأول: الإخلاص ـ الثاني: المتابعة، والمتابعة لا تتحقق إلا بالأمور الستة الآنفة الذكر.

((من موقع الشيخ العثيمين -رحمه الله-))

علي بن المديني يجرّحُ أباهُ ..!

علي بن المديني يجرّحُ أباهُ ..!


سئِلَ عَليّ بن المَديني عَن أبيه.. 
فقال : " اسألوا غيري !" 
فقالوا : "سألناك..."

فأطرقَ ، ثُم رَفعَ رَأسهُ وقال : "هذا دين...أبي ضعيف !" 


في هذا الأثر تذكرةٌ لِمنْ يُقدّس الأشخاصَ ، فابن المديني تكلّمَ في والدهِ حفاظاً على الدين...وهذا مِن أعظمِ الأمانات...!

فأينَ أصحابُ الورعِ البارِد الذين يَتورّعون عن الرد على أخطاء المخالفين بحججٍ واهية ..؟


و لكن ينبغي التنبهُ من كثرةِ الكلام و الإفراط في الردود و إباحَةِ السبّ و الشماتةِ أو الدخول في النيات ...فقدْ يكون منَ الغيبَة المحرّمة !

وأخيراً :
ابن المدينيّ جرّحَ أباهُ بما يَكفي كي يَعرِفهُ الناس و لم يُكثرْ في الكلام! و أيضاً قالها كرهاً -و هذا هو الأصل- يجب على من ردّ  أن يحزَنَ على من خالفَ السنّة و ضلَّ .. فكم يحزُنُ قلبُ المسلِمِ عندما يرى أخاهُ قد انشَقّ عن الصفِ و اختطفهُ الشيطانُ من بيننا...والله المستعان

مُقتَطفاتٌ مِن تاريخِ الإخْوان

مُقتَطفاتٌ مِن تاريخِ الإخْوان


تمهيد :


قال شيخ الإسلام :

وليس هذا الباب -أي الرد على المخالف وأهل البدع- مخالفاً لقوله ﷺ : "الغيبة ذكرك أخاك بما يكره..
فإن الأخ هو المؤمن والأخ المؤمن إن كان صادقاً في إيمانه لم يكره ما قلته من هذا الحق -الذي يحبه الله ورسوله- وإن كان عليه..فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم، حتى لو ظنوا أنها هدى وأنها خير. 





وهذه بعض المقتطفات من تاريخ الإخوان : 

شعار الإخوان القديم : "القرآن دستورنا"
قال عبدالمنعم أبو الفتوح: "إن شعار الإخوان هو شعار عاطفي وأدبي يعبر عن مرجعية الجماعة.. 

"..ولكنه لا يعبر عن منهجها في العمل السياسي" 


لم يكن لحسن البنا خصومة دينية مع اليهود. وقال: إن خصومتنا لليهود ليست دينية.

وأكد أحمد رائف أن البنا كان يخطط بالانقلاب على الملك والدولة. ولكن البنا أكد خلاف ذلك في رسائله. 

ولم يكن لحسن البنا أي اهتمام بالتوحيد، فأشاع بينهم مفاهيم صوفية خرافية شركية. 

وكان حسن البنا يرفض النظر في كتب التفاسير. وعلق أتباعه بشخصه لا بالعلم. 

ومن المصائب ؛ ظنوا أن مواجهة أخطائهم خط أحمر لا ينبغي تجاوزه.

فيزعمون هي الجماعة المتفردة بامتلاك المفهوم الشمولي للإسلام. 

وصرح سعيد حوى أن عقيدة الإخوان هي عقيدة الأشاعرة والماتريدية. 

وقال أيضاً : وسلمت الأمة في قضايا العقائد لاثنين : أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي. 

ولكن لا نكفر أحداً منهم، وما ضللنا من لم تقم عليه الحجة. ولا نشك بالنوايا فالله أعلم بمافي القلوب. 


وقد ذهب جيلهم الأول ولم يعد له دور، وقد شتتهم الله في البلاد والسجون منذ ١٩٤٨م حتى ١٩٧١م. 

وإلى الثمانينات ولا يزال حزبهم منكوسا ولم يصل إلى شيء. 

ولقد كانت حركة الإخوان ولا زالت من أكبر العقبات، التي حالت دون ظهور الدين الإسلامي بالصورة المحمدية. 

ومنهم نشأت جميع الفرق الخارجية ، وبسببهم هرب كثير من الناس من التديّن، بسبب تصرفاتهم الحمقاء. 

فهم أصحاب فتنة منذ أن نشأوا ، قطّاعُ طُرق. 

وليس في الدين مبرر للسكوت عل أهل البدع والذين يفسدون الدين. 

فالإخوان يدمجون الحق بالباطل، ويغررون الناس بحماسهم في الدين ، ومظهرهم في الإسلام. 


وهم في الحقيقة أعظم الناس تلبيساً على العامة وفتنة للخاصة. وأمثالهم ينبغي جهادهم والرد عليهم. 

ويجب السعي بكل الوسائل المتاحة الشرعية كشفهم و ثم إسقاطهم حفاظاً على دين الأمة. 

وكما قال شيخ الإسلام: الراد على أهل البدع مجاهد. وقال ابن القيم: وهو أفضل الجهاد لعظم منفعته وشدة مؤنته. 

بل وقد عد علماء الإسلام مجاهدة المبتدعة الظاهرين أفضل من مجاهدة الكفار المحاربين. 

وقال الهمداني: مبتدعة الإسلام أشدّ من الملحدين لأن الملحدين قصدوا الإفساد من الخارج. وهؤلاء قصدوا الإفساد من الداخل. 


هذا ما تيسر لي ... و الحمد لله رب العالمين..

سِـتـرُ المُـؤْمِـن

سِـتـرُ المُـؤْمِـن


الحمد لله الذي ستر لنا عيوبنا و نهى عن فضحها بيننا ..
و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ...

أما بعد ،،

فقدْ جَمعتُ بَعض الأحاديثِ و الآثار في مَوضوعِ سِتر العُيوب ... وملاحظٌ اليوم أنّ هذه المسألة يَستهينُ بها الكثيرُ منَ الناسِ لا سيما في شَبكاتِ التواصل الإجتِماعي ، و فرقٌ بين الرد على المخالف -المجاهر- و فضْح ما سَترهُ الله ..فالأول جهادٌ و الآخرُ جِنايَة ..!  


قال - تعالى -: {لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ}

وقال ﷺ : ((يا معشر مَن أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتَّبعوا عوراتهم؛ فإنه مَن يتبع عثرات أخيه المسلم يتبع الله عورته، ومَن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله.))

وقال ﷺ :((...من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة))


- قال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: (لو أخذت سارقًا لأحببت أن يَسْتُره الله عزَّ وجلَّ، ولو أخذت شاربًا، لأحببت أن يَسْتُره الله عزَّ وجلَّ) .

- وعن أبي الشَّعثاء قال: (كان شُرَحْبِيل بن السِّمْط على جيشٍ، فقال لجيشه: إنَّكم نزلتم أرضًا كثيرة النِّساء والشَّراب- يعني الخمر- فمن أصاب منكم حدًّا فليأتنا، فنطهِّره، فأتاه ناس، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب، فكتب إليه: أنت- لا أمَّ لك- الذي يأمر النَّاس أن يهتكوا سِتْر الله الذي سَتَرَهم به)  .

- وعن المعْرُور بن سُوَيْد قال: (أُتي عمر بامرأة راعية زنت، فقال عمر: ويح المرِّيَّة، أفسدت حَسَبَها، اذهبا بالمرِّيَّة فاجلداها، ولا تخرقا عليها جلدها، إنَّما جعل الله أربعة شهداء سترًا ستركم به دون فواحشكم، ولو شاء لجعله رجلًا صادقًا أو كاذبًا، فلا يطَّلعنَّ سِتْر الله منكم أحد)  .

- وعن الشَّعبي: أنَّ رجلًا أتى عمر بن الخطَّاب، قال: (إنَّ ابنة لي أصابت حدًّا، فعَمَدت إلى الشَّفْرة، فذبَحَت نفسها، فأدركتُها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها فبرأت، ثم أنَّها نَسَكت، فأقبلت على القرآن، فهي تُخْطب إليَّ، فأخبر من شأنها بالذي كان، فقال له عمر: تعمد إلى سِتْر سَتَره الله فتكشفه؟ لئن بلغني أنَّك ذكرت شيئًا من أمرها، لأجعلنَّك نَكالًا لأهل الأمصار، بل أنكِحها نكاح العفيفة المسلمة)  .

- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ثلاث أحلف عليهنَّ، والرَّابعة لو حلفت لبَررْت: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولَّى اللهَ عبدٌ في الدُّنيا فولَّاه غيره يوم القيامة، ولا يحبُّ رجل قومًا، إلا جاء معهم يوم القيامة، والرَّابعة التي لو حلفت عليها لبَررْت: لا يَسْتُر الله على عبد في الدُّنيا، إلَّا سَتَر عليه في الآخرة)  .

- وعن مريم بنت طارق: (أنَّ امرأة قالت لعائشة -رضي الله عنها-: يا أمَّ المؤمنين، إنَّ كَرِيًّا أخذ بساقي  وأنا مُحْرِمَة، فقالت -رضي الله عنها-: حِجْرًا حِجْرًا حِجْرًا  ، وأعرضت بوجهها، وقالت بكفِّها، وقالت: يا نساء المؤمنين، إذا أذنبت إحداكنَّ ذنبًا، فلا تخبرنَّ به النَّاس، ولتستغفر الله تعالى، ولتتب إليه؛ فإنَّ العباد يُعَيِّرُون ولا يُغَيِّرُون، والله تعالى يُغَيِّر ولا يُعَيِّر)  .

- وعن أبي عثمان النَّهدي، قال: (إنَّ المؤمن ليُعطى كتابه في سِتْرٍ من الله تعالى، فيقرأ سيِّئاته فيتغيَّر لونه، ثمَّ يقرأ حسناته فيرجع إليه لونه، ثمَّ ينظر، وإذا سيِّئاته قد بُدِّلت حسنات، فعند ذلك يقول: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ [الحاقة: 19])  .

- وقال الحسن البصري: (من كان بينه وبين أخيه سِتْر فلا يكشفه)  .

- وعن إبراهيم بن أدهم، قال: (بلغني أنَّ عمر بن عبد العزيز قال لخالد ابن صفوان: عِظْني وأوجز. قال: فقال خالد: يا أمير المؤمنين، إنَّ أقوامًا غرَّهم سِتْر الله عزَّ وجلَّ، وفتنهم حُسْن الثَّناء، فلا يغلبنَّ جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالسِّتْر مغرورين، وبثناء النَّاس مسرورين، وعمَّا افترض الله متخلِّفين مقصرين، وإلى الأهواء مائلين. قال: فبكى، ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتِّباع الهوى) .

- وقال العلاء بن بدر: (لا يعذِّب الله عزَّ وجلَّ قومًا يسترون الذُّنوب)  .

- وعن محمود بن آدم قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: (لولا ستْر الله عزَّ وجلَّ ما جالسَنا أحدٌ)  .

- وعن شُبَيْل بن عوف الأَحْمَسِي، قال: (كان يقال: من سمع بفاحشة، فأفشاها، كان فيها كالذي بدأها)  .

- وعن عبد الله بن المبارك، قال: (كان الرَّجل إذا رأى من أخيه ما يكره، أمره في سِتْر، ونهاه في سِتْر، فيُؤجر في سِتْره، ويُؤجر في نهيه، فأمَّا اليوم فإذا رأى أحدٌ من أحدٍ ما يكره، استغضب أخاه، وهتك سِتْره)  .

- وقال الفضيل بن عياض: (المؤمن يَسْتر وينصح، والفاجر يهتِك ويُعيِّر)  .

- وعن عبيد الله بن عبد الكريم الجِيْلِي، قال: (من رأيته يطلب العثرات على النَّاس، فاعلم أنَّه معيوب، ومن ذكر عَورات المؤمنين، فقد هتك سِتْر الله المرخَى على عباده)  .

- وقال ابن رجب: (رُوي عن بعض السَّلف أنَّه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب النَّاس، فذكر النَّاس عيوبهم. وأدركت أقوامًا، كانت لهم عيوب فكَفُّوا عن عيوب النَّاس فنُسيت عيوبهم)  .


وقال ابن القيِّم: (وأمَّا اكتفاؤه في القتل بشاهدين دون الزِّنا، ففي غاية الحِكْمة والمصلحة؛ فإنَّ الشَّارع احتاط للقصاص والدِّماء، واحتاط لحدِّ الزِّنا، فلو لم يقبل في القتل إلَّا أربعة لضاعت الدِّماء، وتواثب العادون، وتجرَّءوا على القتل؛ وأمَّا الزِّنا فإنَّه بَالَغَ في سِتْره، كما قدَّر الله سِتْره، فاجتمع على ستْره شرع الله وقدره، فلم يقبل فيه إلَّا أربعة يصِفُون الفِعْل وصف مشاهدة، ينتفي معها الاحتمال؛ وكذلك في الإقرار، لم يكتف بأقلَّ من أربع مرَّات، حرصًا على سِتْر ما قدَّر الله ستْره، وكَرِه إظهاره، والتَّكلُّم به، وتوعَّد من يحبُّ إشاعته في المؤمنين بالعذاب الأليم، في الدُّنيا والآخرة)  .

وقال أيضًا: (للعبد سِتْرٌ بينه وبين الله، وسِتْرٌ بينه وبين النَّاس، فمن هتك السِّتْر الذي بينه وبين الله، هتك الله السِّتْر الذي بينه وبين النَّاس)  .

وقال أيضًا: (ومن النَّاس من طبعه طبع خنزير: يمرُّ بالطَّيِّبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قَمَّه  ، وهكذا كثير من النَّاس، يسمع منك، ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ، فلا يحفظها، ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة، أو كلمة عَوْراء، وجد بغيته، وما يناسبها، فجعلها فاكهته ونقله)  .

وقال أبو البركات الغزي العامري في كلامه عن آداب العِشْرة بين المسلمين: (ومنها: الاجتهاد في سِتْر عَورَات الإخوان وقبائحهم، وإظهار مناقبهم، وكونهم يدًا واحدةً في جميع الأوقات)  .

هذا ما تيسر لي ... والحمد لله رب العالمين. 

Thursday, 20 March 2014

إهانةُ الأُمّ بينَ الوَثَنيّة و الرّأسمَاليّة..!

إهانةُ الأُمّ بينَ الوَثَنيّة و الرّأسمَاليّة..!



الحمد لله الذي أمرنا بالبر و الإحسان و جعل المودة بين الأرحام، و أصلي و أسلم على من لا نبيّ بعده ،،
أما بعد ،،،

فالدين الإسلاميّ هو الذي علّمَ البشرَ أعلى درجات الإحسان و البر...كيف لا وهو من الرحمن الرحيم! ولكن نرى مصداق حديث رسول الله في كثير من عاداتنا و أفعالنا... "ولو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه" ...هل أصبح الغرب يعرفُ الإحسان أكثر منا؟!

عيد الأم...إهانة عظيمةٌ في حق كلّ أم! و لكن من أين أتى هذا العيد؟ ومن بدأه؟ يظن كثيرٌ من الناس أنه نتيجةً للتقصير العظيم من الغرب اتجاه الأم...فقالوا "اجعلوا لها يوماً هذه المسكينة"...كأنها حفلةُ تكريمٍ لعاملِ نظافة...يتكرّم يوماً، ثم يرجعُ ليعيشَ في شقاءِ عمله!


ليست هذه هي البداية...بل يرجعُ عيدُ الأمِ إلى الحضارة اليونانيةِ القديمة؛ فقدْ كانوا يحتَفلون بعيدٍ لآلهة من آلهتهم تسمى "رِيا" زوجة الإله "كرونوس" و كانت "رِيا" تمثل الأمومة لآلهتهم!

وفي حضارة الروم القديمة قبل ولادة المسيح –عليه السلام- ب250 سنة؛ كانوا يحتفلون بعيدٍ لآلهة تمثل الأمومة تسمى "هيلاريا".


وثم كما هو شائعٌ عند النصارى بتأثرهم في حضارة و ديانة اليونان و الروم...تبنّوا هذا العيد و بدؤوا بنسبته إلى مريم ابنة عمران...ومن هذا عمّ هذا العيد الوثني الأصل كل الأمهات في عام 1600 في انجلترا! واليوم ماذا حدث لعيد الأم؟ أصبح هذا العيد الوثني تجارةً رابحة للتجار...إذ استغل التُجار هذا اليوم لرفع الأسعار و ترويج الهدايا للمكسب و الربح...فأصبحت الأم هدفاً للإسراف و التبذير...و الناس يملؤون بطون التُجار التي لا تشبع! والله المستعان.


حسبكم أيها المسلمون كتابُ الله و سنّة نبيكم في البر و الإحسان. 



والحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين ..

كتبه / فارس الحمادي
22 جمادى أول 1435 
23/مارس/2004م

Tuesday, 11 March 2014

كلمة عن الشذوذ الفقهي

"هذه كلمة يسيرة كتبها صديقي بعد جلسة و نقاش حصل بيننا .. وأحببت أن أنشرها
أرجو أن ينفع الله بها"

(فارس الحمادي)


الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، أما بعد ...



فقد أنزل  الله علينا كتابه منه آيات محكمات، و أخرُ متشابهات، فأما المُحكم منه  فقد ورد الأمر باتباعه، و العملِ به، و أما المتشابه فمردُّه إلى الراسخين في العلم، و لن تخلوَ الأرض منهم  و لمّا كان الأمرُ بهذا  الخطر طلب أهلُ الهمّة ِ العلمَ، ، وهانت عليهم أنفسُهم،  و بذلوا فيه مُهجَهم ، و ضربوا لنا في ذلك أروعَ الأمثلة، و أصدقها في الورع، و الخوف من القول على الله بغير علم مستحضرين عظمةَ الفُتْيَا، و أنّهم موقّعون عن ربّ العالمين، مُستَخْلَفون عنه في الأرض (يستفتونك قل اللّه يفتيكم )،وقال (و لاتقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال و هذا حرام لتفتروا على الله الكذب ) ، ، لذا تجدُ الإمامَ أحمد وهو من يحفظُ ألفَ ألفَ (مليون) حديثٍ، ربّما يجلس في المسألة ثلاثَ سنواتٍ قبل أن يحكم فيها ؟ ، و إن أفتى تجدُه لا يتجاوز كلماتِ الورع كأن يقو ل:  أكرَهُ هذا، و لا أحبُّ هذا، و يعجبني هذا، و لا يخرجُ عن قول صحابيٍّ  أو تابعي ، فما من مسألةٍ إلّا و له فيها سَلَفٌ إلّا ما كان من  قبيل النوازل  ..

و تجدُ الإمامَ مالكًا -رحمه الله- وهو من تَربّى عند أمثال  الزهري و ربيعة الرأي و نافع مولى بنِ عمرَ - رضي الله عنه- يفتي في أربعِ مسائلَ من مجموعِ أربعينَ مسألةً و يقولُ عن الباقي لا أدري. بلْ يُردِفُ هذا الورعَ بتذكيرِ السّائلِ المُستهينِ ويقرعُ مسامعَهُ بقول الله تعالى ( إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً )..فإذا كان هذا حال أساطين العلم فما بالُ أقوامٍ غرّهم الظّهورُ  أنْ يستَخِفُّوا بأمرِ الفُتْيَا و جعَلوا مِن دينِ اللهِ محلَّ جدلٍ و سخريّة بين العالمين . !!!!

و يتركون المعروف من قولِ العلماءِ و يتبَعونَ الشّاذَّ و ما لا تقْوَى الأَدلّةُ على النُّهوضِ بهِ، فيَنشُرُونَه وهُمْ بِه فَرحُونَ كأنّهم أَتَوْا بِما لمْ يَأتِ بِه الأوّلُونَ مِن تقريرٍ و تحقيقٍ، وهم غافلُونُ عن اِتّباعِ سَنَنِ أهلِ العلمِ منْ جمعِ النّصوص و الأدلّةِ ثمّ جمعِ فتاوى الأوّلينَ و المعاصرينَ ثم النّظرِ في ذلك تحقيقًا و تفصيلاً بأدواتٍ ليس يَمْلِكُها كل حَدَثٍ، فَوُقُوفُكَ حَكَمًا بين أهلِ العلمِ دونَهُ خَرْطُ القتادِ، لا يَستطيعُهُ إلاّ تقيٌّ وَرِعٌ عالمٌ بصيرٌ مجتهد مُعظّمٌ لشعائرِ اللهِ. فمن  يأخذ بالشواذ يرعى حول محارم الله يوشك أن يرْتَعَ في مراتعِ الكذبِ على اللهِ؟
و لذا كان من معاني الفقهِ عند أهل الشّأن: الفهمُ الدّقيقُ ..!!

و لو أردتُ أن  أَحُدَّ الشذوذ الفقهي  لكان عسيرا عليَّ غيرَ يسير، و لكنّ يمكن أن يقال بشيء من الايجاز إنّه: الرّأيُ الضّعيفُ المهجورُ الّذي يخالِفُ ما عليه جماهيرُ اﻷُمّة، ويكون مُستنَدُهُ دليلا ضعيفافترى  بعض المُعجَبين بأنفسهم  قد نظر في بعض كتب الفقه فوجد قولاً لإمامٍ ثم مالَتْ نفسُه إليه فلم يُكلّف نفسَه النّظرَ في أدلّته ومستندِه ومن وافَقَهُ و من خالفَه، فطار به بين الناس ظنًّا منه أن تقليدَه لذاك الإمام يمنعه من قلم النقدو قد قال مالكٌ إمامُ دار الهجرة: النّاس مولَعون بسماع الغريب... !

و من قبله علي  بن أبي طالب-رضي الله عنه-  يقول: حدِّثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكذّبَ الله و رسوله...و لهذا قال بعض العلماء: اذا اجتهد غيرُ المجتهد و أصاب فقد أخطأ !! من جهة تجرّئه على الفتيا ..
قال سيدي محمد بن ادريس الشافعي فيما معناه:من تكلّف ما جهِل وما لم تثبته معرفتُه: كانت موافقتُه للصواب - إن وافقه من حيث لا يعرفه - غيرَ محمودة !! ، والله أعلم ، وكان بخطئه غيرَ معذور ، إذا ما نطق فيما لا يحيط علمُه بالفرق بين الخطإ والصواب فيه ..فحتّى موافقتُه للصواب لا تُنجيه ..فانتَبِهْ، فهذا كلام ٌ دقيقٌ من إمام كبير ..لذا كان الشّذوذُ فيه شيءٌ من الخفاء من حيثُ إنه مُستنِدٌ إلى دليلٍ فينخدع المبتدئُ به حذرًا من مقارعة دليلٍ صحيحٍ أو مخالفةِ إمام كبير ٍ.. و لكنْ من صبرَ و درس المسألة و محّص و فتّش و لم يركن إلى ما تبدّى له و استعان بالله هُدِيَ إلى طريق الصواب و موافقة الحق.

و المفتي بالشذوذ إنما  أُتِي من إغفال أصلٍ، أو لم يجمعِ الأدلّةَ كلَّها، ولم يمحص النّظرَ فيها و نقاش الأدلّة و استقراءَ الأقوال، وهنا يظهرُ الرُّسوخُ في العلم من غيره , و التأني في الفتوى .و لا يلتبس عليك – أيها الودود – معنى الشّذوذِ بمخالفة المشهور بين الناس  فالشّاذُّ ليس هو دائما خلافُ قول الجمهور أو خلاف المشهور بل ههنا يأتينا معنى آخرُ لا يدركه إلا الرّاسخون في العلم، وهو إحياء الدليل و ابتعاث ا لحقّ من جديد ألا ترى أن فتوى الطلاق بالثلاث يقع ثلاثًا مكثت حيناً من الدهر هي الحقّ المبين، و عليها العملُ حتى جاء شيخ الاسلام وأحيا القول بوقوع الثّلاث طلقة واحدة و رجحه مع شهرة الأول ، فلم يأت لنا بجديد و إنما أحيا حقا مغمورا ,و كانت فتوى شيخِ الاسلام يُسرًا على المسلمين لا طلبا للتيسير!! و إنما للحق الذي كانت عليه..

و الشاهدُ أنه ليس كلُّ مشهورٍ محفوظا  ٌو لا كلُّ مغمور ٍشاذّا , فالشذوذُ لا يطَّردُ مع المغمورِ و الفيصلُ في هذا هو الرسوخُ في العلم، وأهلُهُ هُم من يملكون أهليّةَ إدارك ذلكعلى أن الشّذوذ ليس مقصورا على الفقه فقط بل تعدّاه إلى  بقية العلوم , والفقيهُ في كلّ علم هو المتبصّرُ الذي أدرك و عرف الشّاذّ من  الثّابت المحفوظ،  ألا ترى أنّ ابنَ مسعودٍ -رضي الله عنه- قرأ قوله تعالى من سورة الجمعة (فامضوا إلى ذكر الله ) بدل (فاسعوا ) فلا يخرج علينا مُتَفَيْقهٌ يقرأ بها زاعما أنه خَلَفٌ لابن مسعود  رضي الله عنهو في مصطلح الحديث أهلُ الشّأن منهم  لهم بابٌ خاصٌّ بالشاذ في هذا يريدون به رواية الثّقة، خلاف ما يرويه من هو أوثق منه .فإنّ النّبيّ-صلى الله عليه وسلّم- مثلا كان يضطجع بعد ركعتي الفجر، فروى أحدٌ الصّحابة الحديثَ مرفوعا !! 

بصيغة الأمر كأنه من قول النبي: فليضطجع ! و لو عمل بها من لم يدرك الشّذوذ لكان يلزمنا الاضطجاعُ !! على من أخذ بظاهر الأمر ..و انظر إلى كثير من الأصوليين والمتكلمين منهم خاصة حين منعوا الأخذ َبخبر الواحد ِفي العقيدةِ، وأنّ خبرَ الواحد يُحتجُّ به في الفروع دون الأصول، مع أنّ القائلين به كُثُر ٌإلاّ أنّه شاذّ وباطل، و رحم الله الشافعي و الدارمي وابنَ حزم فقد أفحموهم و بينوا شذوذهم و أمّا في العقيدة فحدّثْ و كلُّك أسىً، فكلّ  فيلسوف بَلْهَ كل رجل لَسِن إلا وخاض في ذات اللهو قد ضرب عمرُ بن الخطاب -رضي الله- صبيغا التّميميّ حتّى أدماه لمجرد سؤاله عن المتشابهات، و طرد مالكٌ سائلَه لمجرّد سؤاله عن كيفية الاستواء...لأنّ هذا فتحٌ لباب الشّذوذ و ما تعارف عليه الناس و كان صحيحا، فلا تفتحْ على الناس أشياءَ تثير ُفيهم الجدلَ من دون أن تقرّبهم إلى اللهو يستدرجنا الحديثُ عن الشّذوذ إلى معنَى الإجماع  و حكمَ علماءُ الإسلام أنّ من خالفَ إجماعًا ثابتا قطعيًّا، فهو مبتدعٌ ضالٌّ مع أنّ المسألةَ قد تكونُ فقهيَّةً بحتة !!وبعد :فإنّه من المُبكي و الباعثِ للأسى أنْ  يأتيَ رجلٌ غُمْرٌ ربّما حصلَ على الدّكتوراه (العالميّة) من أيامٍ فنفخ فيه الشيطانُ نفخةَ الكِبر فظنّ أنّه على شيءٍ من العلم، يكون حكمًا بين العلماء، مخيِّرا بين أقوالهم , مرجحا بين استدلالاتهم , ولعمري إنّه لينطبقُ عليه قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم:** إنّ الله لا يقبضُ العلمَ انتزاعاً ينتزعُه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء . حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهّالا فأفتوا بغير علمٍ ، فضلوا وأضلوا**تكاد ُتخلو الأرض من الكبار وبدأَ تصدّر ُالأغمارِ إيذاناَ بقرب الساعة، يذكرني هذا بما جاش في صدر المهلهل حين قال:نُبِّئتُ أنّ النّارَ بعدكَ أُوقِدتْ ** واسْتبَّ بعدك ياكُليبُ المجلسُو لو كان ابن بازٍ و أمثالُه من أهل العلم من القمم على قيد الحياة لما تجرّأ الصغارُ على أن ينبسوا ببنت شفة ..

وَتكلموا في أمرِ كلِّ عظيمة ٍ ** لوكنتَ شاهدَهمْ بها لمْ يَنْبِسوا


و قد بكى من قبلُ ربيعة الرأي فسأله تلميذه مالك بن أنس: ما الذي يبكيك؟ أقضية نزلت بك؟ قال: لا، ولكنّه أبكاني أنّه اُسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ..هذا تعظيم دين الله عندهم  و لأمرِ الفتوى فيهم فأبكاهم , و أدمى قلوبهم فما تُراه يَفعل لو أنه نظر في حال المتصدرين الآن ..و إني لأجدُني كثيرا ما أرّدد قول شيخ المعرّة و يُثير فيَّ الاستحسان و الأسى ! لكأنّي بالجنّ قد نطقت على لسانه حين قال :خفِّفِّ الوطءَ ما أظنُّ أديم الأرض إلا من هذه الأجسادِ...و السّلامْ

وكتبَ..أبو الفتح

الموضوع أكبر من أن يَسَعه مقال و لكن ما سبق كان عبارة عن  جلسة سمر ، رجعت فدونتها و لا أدلّ على ذلك مما تراه من غير انتظام لموضوعها...