"هذه كلمة يسيرة كتبها صديقي بعد جلسة و نقاش حصل بيننا .. وأحببت أن أنشرها
أرجو أن ينفع الله بها"
(فارس الحمادي)
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، أما بعد ...
أرجو أن ينفع الله بها"
(فارس الحمادي)
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، أما بعد ...
فقد أنزل الله علينا كتابه منه آيات محكمات، و أخرُ متشابهات، فأما المُحكم منه فقد ورد الأمر باتباعه، و العملِ به، و أما المتشابه فمردُّه إلى الراسخين في العلم، و لن تخلوَ الأرض منهم و لمّا كان الأمرُ بهذا الخطر طلب أهلُ الهمّة ِ العلمَ، ، وهانت عليهم أنفسُهم، و بذلوا فيه مُهجَهم ، و ضربوا لنا في ذلك أروعَ الأمثلة، و أصدقها في الورع، و الخوف من القول على الله بغير علم مستحضرين عظمةَ الفُتْيَا، و أنّهم موقّعون عن ربّ العالمين، مُستَخْلَفون عنه في الأرض (يستفتونك قل اللّه يفتيكم )،وقال (و لاتقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال و هذا حرام لتفتروا على الله الكذب ) ، ، لذا تجدُ الإمامَ أحمد وهو من يحفظُ ألفَ ألفَ (مليون) حديثٍ، ربّما يجلس في المسألة ثلاثَ سنواتٍ قبل أن يحكم فيها ؟ ، و إن أفتى تجدُه لا يتجاوز كلماتِ الورع كأن يقو ل: أكرَهُ هذا، و لا أحبُّ هذا، و يعجبني هذا، و لا يخرجُ عن قول صحابيٍّ أو تابعي ، فما من مسألةٍ إلّا و له فيها سَلَفٌ إلّا ما كان من قبيل النوازل ..
و تجدُ الإمامَ مالكًا -رحمه الله- وهو من تَربّى عند أمثال الزهري و ربيعة الرأي و نافع مولى بنِ عمرَ - رضي الله عنه- يفتي في أربعِ مسائلَ من مجموعِ أربعينَ مسألةً و يقولُ عن الباقي لا أدري. بلْ يُردِفُ هذا الورعَ بتذكيرِ السّائلِ المُستهينِ ويقرعُ مسامعَهُ بقول الله تعالى ( إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً )..فإذا كان هذا حال أساطين العلم فما بالُ أقوامٍ غرّهم الظّهورُ أنْ يستَخِفُّوا بأمرِ الفُتْيَا و جعَلوا مِن دينِ اللهِ محلَّ جدلٍ و سخريّة بين العالمين . !!!!
و يتركون المعروف من قولِ العلماءِ و يتبَعونَ الشّاذَّ و ما لا تقْوَى الأَدلّةُ على النُّهوضِ بهِ، فيَنشُرُونَه وهُمْ بِه فَرحُونَ كأنّهم أَتَوْا بِما لمْ يَأتِ بِه الأوّلُونَ مِن تقريرٍ و تحقيقٍ، وهم غافلُونُ عن اِتّباعِ سَنَنِ أهلِ العلمِ منْ جمعِ النّصوص و الأدلّةِ ثمّ جمعِ فتاوى الأوّلينَ و المعاصرينَ ثم النّظرِ في ذلك تحقيقًا و تفصيلاً بأدواتٍ ليس يَمْلِكُها كل حَدَثٍ، فَوُقُوفُكَ حَكَمًا بين أهلِ العلمِ دونَهُ خَرْطُ القتادِ، لا يَستطيعُهُ إلاّ تقيٌّ وَرِعٌ عالمٌ بصيرٌ مجتهد مُعظّمٌ لشعائرِ اللهِ. فمن يأخذ بالشواذ يرعى حول محارم الله يوشك أن يرْتَعَ في مراتعِ الكذبِ على اللهِ؟
و لذا كان من معاني الفقهِ عند أهل الشّأن: الفهمُ الدّقيقُ ..!!
و لو أردتُ أن أَحُدَّ الشذوذ الفقهي لكان عسيرا عليَّ غيرَ يسير، و لكنّ يمكن أن يقال بشيء من الايجاز إنّه: الرّأيُ الضّعيفُ المهجورُ الّذي يخالِفُ ما عليه جماهيرُ اﻷُمّة، ويكون مُستنَدُهُ دليلا ضعيفافترى بعض المُعجَبين بأنفسهم قد نظر في بعض كتب الفقه فوجد قولاً لإمامٍ ثم مالَتْ نفسُه إليه فلم يُكلّف نفسَه النّظرَ في أدلّته ومستندِه ومن وافَقَهُ و من خالفَه، فطار به بين الناس ظنًّا منه أن تقليدَه لذاك الإمام يمنعه من قلم النقدو قد قال مالكٌ إمامُ دار الهجرة: النّاس مولَعون بسماع الغريب... !
و من قبله علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- يقول: حدِّثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكذّبَ الله و رسوله...و لهذا قال بعض العلماء: اذا اجتهد غيرُ المجتهد و أصاب فقد أخطأ !! من جهة تجرّئه على الفتيا ..
قال سيدي محمد بن ادريس الشافعي فيما معناه:من تكلّف ما جهِل وما لم تثبته معرفتُه: كانت موافقتُه للصواب - إن وافقه من حيث لا يعرفه - غيرَ محمودة !! ، والله أعلم ، وكان بخطئه غيرَ معذور ، إذا ما نطق فيما لا يحيط علمُه بالفرق بين الخطإ والصواب فيه ..فحتّى موافقتُه للصواب لا تُنجيه ..فانتَبِهْ، فهذا كلام ٌ دقيقٌ من إمام كبير ..لذا كان الشّذوذُ فيه شيءٌ من الخفاء من حيثُ إنه مُستنِدٌ إلى دليلٍ فينخدع المبتدئُ به حذرًا من مقارعة دليلٍ صحيحٍ أو مخالفةِ إمام كبير ٍ.. و لكنْ من صبرَ و درس المسألة و محّص و فتّش و لم يركن إلى ما تبدّى له و استعان بالله هُدِيَ إلى طريق الصواب و موافقة الحق.
و المفتي بالشذوذ إنما أُتِي من إغفال أصلٍ، أو لم يجمعِ الأدلّةَ كلَّها، ولم يمحص النّظرَ فيها و نقاش الأدلّة و استقراءَ الأقوال، وهنا يظهرُ الرُّسوخُ في العلم من غيره , و التأني في الفتوى .و لا يلتبس عليك – أيها الودود – معنى الشّذوذِ بمخالفة المشهور بين الناس فالشّاذُّ ليس هو دائما خلافُ قول الجمهور أو خلاف المشهور بل ههنا يأتينا معنى آخرُ لا يدركه إلا الرّاسخون في العلم، وهو إحياء الدليل و ابتعاث ا لحقّ من جديد ألا ترى أن فتوى الطلاق بالثلاث يقع ثلاثًا مكثت حيناً من الدهر هي الحقّ المبين، و عليها العملُ حتى جاء شيخ الاسلام وأحيا القول بوقوع الثّلاث طلقة واحدة و رجحه مع شهرة الأول ، فلم يأت لنا بجديد و إنما أحيا حقا مغمورا ,و كانت فتوى شيخِ الاسلام يُسرًا على المسلمين لا طلبا للتيسير!! و إنما للحق الذي كانت عليه..
و الشاهدُ أنه ليس كلُّ مشهورٍ محفوظا ٌو لا كلُّ مغمور ٍشاذّا , فالشذوذُ لا يطَّردُ مع المغمورِ و الفيصلُ في هذا هو الرسوخُ في العلم، وأهلُهُ هُم من يملكون أهليّةَ إدارك ذلكعلى أن الشّذوذ ليس مقصورا على الفقه فقط بل تعدّاه إلى بقية العلوم , والفقيهُ في كلّ علم هو المتبصّرُ الذي أدرك و عرف الشّاذّ من الثّابت المحفوظ، ألا ترى أنّ ابنَ مسعودٍ -رضي الله عنه- قرأ قوله تعالى من سورة الجمعة (فامضوا إلى ذكر الله ) بدل (فاسعوا ) فلا يخرج علينا مُتَفَيْقهٌ يقرأ بها زاعما أنه خَلَفٌ لابن مسعود رضي الله عنهو في مصطلح الحديث أهلُ الشّأن منهم لهم بابٌ خاصٌّ بالشاذ في هذا يريدون به رواية الثّقة، خلاف ما يرويه من هو أوثق منه .فإنّ النّبيّ-صلى الله عليه وسلّم- مثلا كان يضطجع بعد ركعتي الفجر، فروى أحدٌ الصّحابة الحديثَ مرفوعا !!
بصيغة الأمر كأنه من قول النبي: فليضطجع ! و لو عمل بها من لم يدرك الشّذوذ لكان يلزمنا الاضطجاعُ !! على من أخذ بظاهر الأمر ..و انظر إلى كثير من الأصوليين والمتكلمين منهم خاصة حين منعوا الأخذ َبخبر الواحد ِفي العقيدةِ، وأنّ خبرَ الواحد يُحتجُّ به في الفروع دون الأصول، مع أنّ القائلين به كُثُر ٌإلاّ أنّه شاذّ وباطل، و رحم الله الشافعي و الدارمي وابنَ حزم فقد أفحموهم و بينوا شذوذهم و أمّا في العقيدة فحدّثْ و كلُّك أسىً، فكلّ فيلسوف بَلْهَ كل رجل لَسِن إلا وخاض في ذات اللهو قد ضرب عمرُ بن الخطاب -رضي الله- صبيغا التّميميّ حتّى أدماه لمجرد سؤاله عن المتشابهات، و طرد مالكٌ سائلَه لمجرّد سؤاله عن كيفية الاستواء...لأنّ هذا فتحٌ لباب الشّذوذ و ما تعارف عليه الناس و كان صحيحا، فلا تفتحْ على الناس أشياءَ تثير ُفيهم الجدلَ من دون أن تقرّبهم إلى اللهو يستدرجنا الحديثُ عن الشّذوذ إلى معنَى الإجماع و حكمَ علماءُ الإسلام أنّ من خالفَ إجماعًا ثابتا قطعيًّا، فهو مبتدعٌ ضالٌّ مع أنّ المسألةَ قد تكونُ فقهيَّةً بحتة !!وبعد :فإنّه من المُبكي و الباعثِ للأسى أنْ يأتيَ رجلٌ غُمْرٌ ربّما حصلَ على الدّكتوراه (العالميّة) من أيامٍ فنفخ فيه الشيطانُ نفخةَ الكِبر فظنّ أنّه على شيءٍ من العلم، يكون حكمًا بين العلماء، مخيِّرا بين أقوالهم , مرجحا بين استدلالاتهم , ولعمري إنّه لينطبقُ عليه قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم:** إنّ الله لا يقبضُ العلمَ انتزاعاً ينتزعُه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء . حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهّالا فأفتوا بغير علمٍ ، فضلوا وأضلوا**تكاد ُتخلو الأرض من الكبار وبدأَ تصدّر ُالأغمارِ إيذاناَ بقرب الساعة، يذكرني هذا بما جاش في صدر المهلهل حين قال:نُبِّئتُ أنّ النّارَ بعدكَ أُوقِدتْ ** واسْتبَّ بعدك ياكُليبُ المجلسُو لو كان ابن بازٍ و أمثالُه من أهل العلم من القمم على قيد الحياة لما تجرّأ الصغارُ على أن ينبسوا ببنت شفة ..
وَتكلموا في أمرِ كلِّ عظيمة ٍ ** لوكنتَ شاهدَهمْ بها لمْ يَنْبِسوا
و قد بكى من قبلُ ربيعة الرأي فسأله تلميذه مالك بن أنس: ما الذي يبكيك؟ أقضية نزلت بك؟ قال: لا، ولكنّه أبكاني أنّه اُسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ..هذا تعظيم دين الله عندهم و لأمرِ الفتوى فيهم فأبكاهم , و أدمى قلوبهم فما تُراه يَفعل لو أنه نظر في حال المتصدرين الآن ..و إني لأجدُني كثيرا ما أرّدد قول شيخ المعرّة و يُثير فيَّ الاستحسان و الأسى ! لكأنّي بالجنّ قد نطقت على لسانه حين قال :خفِّفِّ الوطءَ ما أظنُّ أديم الأرض إلا من هذه الأجسادِ...و السّلامْ
وكتبَ..أبو الفتح
الموضوع أكبر من أن يَسَعه مقال و لكن ما سبق كان عبارة عن جلسة سمر ، رجعت فدونتها و لا أدلّ على ذلك مما تراه من غير انتظام لموضوعها...
بصيغة الأمر كأنه من قول النبي: فليضطجع ! و لو عمل بها من لم يدرك الشّذوذ لكان يلزمنا الاضطجاعُ !! على من أخذ بظاهر الأمر ..و انظر إلى كثير من الأصوليين والمتكلمين منهم خاصة حين منعوا الأخذ َبخبر الواحد ِفي العقيدةِ، وأنّ خبرَ الواحد يُحتجُّ به في الفروع دون الأصول، مع أنّ القائلين به كُثُر ٌإلاّ أنّه شاذّ وباطل، و رحم الله الشافعي و الدارمي وابنَ حزم فقد أفحموهم و بينوا شذوذهم و أمّا في العقيدة فحدّثْ و كلُّك أسىً، فكلّ فيلسوف بَلْهَ كل رجل لَسِن إلا وخاض في ذات اللهو قد ضرب عمرُ بن الخطاب -رضي الله- صبيغا التّميميّ حتّى أدماه لمجرد سؤاله عن المتشابهات، و طرد مالكٌ سائلَه لمجرّد سؤاله عن كيفية الاستواء...لأنّ هذا فتحٌ لباب الشّذوذ و ما تعارف عليه الناس و كان صحيحا، فلا تفتحْ على الناس أشياءَ تثير ُفيهم الجدلَ من دون أن تقرّبهم إلى اللهو يستدرجنا الحديثُ عن الشّذوذ إلى معنَى الإجماع و حكمَ علماءُ الإسلام أنّ من خالفَ إجماعًا ثابتا قطعيًّا، فهو مبتدعٌ ضالٌّ مع أنّ المسألةَ قد تكونُ فقهيَّةً بحتة !!وبعد :فإنّه من المُبكي و الباعثِ للأسى أنْ يأتيَ رجلٌ غُمْرٌ ربّما حصلَ على الدّكتوراه (العالميّة) من أيامٍ فنفخ فيه الشيطانُ نفخةَ الكِبر فظنّ أنّه على شيءٍ من العلم، يكون حكمًا بين العلماء، مخيِّرا بين أقوالهم , مرجحا بين استدلالاتهم , ولعمري إنّه لينطبقُ عليه قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم:** إنّ الله لا يقبضُ العلمَ انتزاعاً ينتزعُه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء . حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهّالا فأفتوا بغير علمٍ ، فضلوا وأضلوا**تكاد ُتخلو الأرض من الكبار وبدأَ تصدّر ُالأغمارِ إيذاناَ بقرب الساعة، يذكرني هذا بما جاش في صدر المهلهل حين قال:نُبِّئتُ أنّ النّارَ بعدكَ أُوقِدتْ ** واسْتبَّ بعدك ياكُليبُ المجلسُو لو كان ابن بازٍ و أمثالُه من أهل العلم من القمم على قيد الحياة لما تجرّأ الصغارُ على أن ينبسوا ببنت شفة ..
وَتكلموا في أمرِ كلِّ عظيمة ٍ ** لوكنتَ شاهدَهمْ بها لمْ يَنْبِسوا
No comments:
Post a Comment