Tuesday, 25 March 2014

فَـلاحُـكَ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين و على آله وصحبه أجمعين ،،
أما بعد .. 


فهذه خاطرة أحببت أن أذكر بها نفسي المقصرة و إياكم بها ؛ 


أقسمَ الله ﷻ في كتابه العزيز إحدى عشَرَ قَسماً في موضعٍ واحد فقط .. في سورة الشمس .. وبعدها قال الله ﷻ : قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا..

قال المفسرون أي زكّى نفسهُ ..
والتزكية : هي اصطلاحاً التطهير أو الزيادة أو المدح..


فيُقال : زكّيت الثوبَ أي طهّرتهُ ؛ زكاةُ المالِ أي تطهيرُ المال ؛ أو الزيادة .



فتزكية النفس -تطهيرها من الذنوب و الشوائب و ربطها بما هو أنفع و بُعدُها عنْ ما هو مُفجِع- شأنه عظيم وفيه فلاح المؤمن و صلاحه و نجاحه في دنياه و آخرته. 
و ما أعظم قيامَ الليلِ لتزكيةِ النفس المذْنبَة ، الضعيفة ، المُحبّة للدنيا و شهواتها ..


 نزلت سورة المزمل في أول الإسلام .. قال الله ﷻ : (( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ))
ثاني أمرٍ أمره الله ﷻ لنبيه في الإسلام هو قِيامُ الليل ! و يليه السبب ؛ قال ﷻ : (( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ))
و قد فرضَ الله ﷻ قيامَ الليل على نبينا ﷺ ...بل و حتى على الصحابة لعامٍ كامل ...!! ثم أنزل الله ﷻ آخر آية في سورة المزّمِل تَنسخُ فريضة قيامِ الليل .. قال الله ﷻ : (( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ... )) الآية

قيامُ الليل مدرسة ..

إنها المدرسة التي خرّجت العظماءَ ، والأصفياء ...! وقـُوَّام الليل أخلصُ الناسِ في أعمالهم لله تعالى ، وأبعدهـم عن الرياء ، والعجـْب ، وهـم أشـدّ الناس ورعـاً ، وأعظمهم حفظاً لألسنتهم ، وأكثرهم رعاية لحقوق الله ﷻ ، والعباد ، وأحرصهم على العمل الصالح. إنها عبادة تنضح بالتوحيد و الإخلاص و التطهير  ... إذ أنها في وقت الغفلة و الراحة .. يكون فيها العبدُ في تَعبٍ و نُعاس ولكنهُ يشدّ على إزار الهمّةِ و يقومُ حامداً لله رب العالمين ، عابداً مستعيناً بهِ ..! فيزيد المرءُ تَعلقاً بَربّه و ينْشغلُ عنِ الدنيا و ما فيها...فتصغرُ في نظرهِ . و إذا أقبل على دينه طالباً العِلم أو داعياً لدينه ... فيبارك الله له في طلبه أو دعوته...بل و يبارك الله له في حياته كلها... وهل يترك الله عبدهُ الذي أتاه مخلصاً مستعيناً في أثمنِ أوقاته  ؟!

قال السلف : لا يقوم الليل منافق..!


وآثارُ السلفِ الكِرام بحرٌ في قيام الليل ... أذكر بَعضها..

* قال عبد الله بن مسعود : ما دمتَ في صلاة فأنتَ تقرَعُ باب المَلك ، ومن يقرعُ باب الملكِ يفتح له !

* وكان ابن الزبير يسجدُ حتى تنزِلُ العصافيرُ على ظهرهِ لا تحسبهُ إلا جذمَ حائط !

* و قال ابن مسعود : فضلُ صلاةِ الليلِ على صلاة النهار كفضلِ صدقة السر على صدقة العلانية .

* و عن أبي عثمان النهدي قال : تضيّفت أبا هريرة سبعاً ، فكان هو و امرأته و خادمهُ يتعقبونَ الليل أثلاثاً .. يصلي هذا .. ثم يوقظ هذا .. ويصلي  هذا .. ثم يوقظ هذا (يتناوبون الليل !!)
و كان مسروق في الحج يقوم الليل ... فلا ينامُ إلا ساجداً على وجههِ ..!!

* وكان مرّة الهمدانيّ يصلي في اليوم ٦٠٠ ركعة !! وقال عنه الذهبي : ما كان هذا الوليّ يكاد يتفرغُ لنشرِ العِلم .. ولهذا لم تكثر روايته .. وهل يُراد من العِلم إلا ثمَرَته ؟! 

موضوع قيام الليل موضوعٌ عظيم وهو -حقيقة- مشروعُ حياة .. لا يسعُ في مقالٍ و لا رسالةٍ و لا محاضرة ... ولكن أحببت التذكير فقط.


هذا ما تيسرِ لي ... والحمد لله رب العالمين.

كتبه / فارس الحمادي
٢٣ /جمادي الأول / ١٤٣٥هـ
٢٤ / ٣ / ٢٠١٤مـ

No comments:

Post a Comment